08/04/2023 - 22:30

حوار | إشكالية ديمقراطية إسرائيل بدأت مع بن غوريون وليست مع ليفين

بريك: "قضية الاحتلال هي قضية سيكولوجية فأنت لا تستطيع أن تحتل شعبا آخر إلا إذا كنت مقتنعا بدونيته أمامك، فالذي يؤيد الاحتلال لا بد أن يكون لديه شعور بالاستعلاء تجاه الآخر ولا يرى بالفلسطيني إنسانا مثله".

حوار | إشكالية ديمقراطية إسرائيل بدأت مع بن غوريون وليست مع ليفين

"عقب إعلان نتنياهو مباشرة أعلن هرتسوغ أن بيت رئيس الدولة مفتوح للتفاوض، كما غرد غانتس بسرعة البرق بأن إسرائيل فوق الجميع مؤكدا حضوره، بعدها لم يكن أي خيار أمام لبيد وسائر كتل المعارضة سوى الموافقة".

هذا ما كتبه أحد الكتاب الإسرائيليين الذي أضاف ساخرا، أن هرتسوغ مختص في الحفاظ على نتنياهو "موحدا" وغانتس أعد دكتوراة في الدخول تحت "نقالة" إنقاذ نتنياهو في اللحظة الأخيرة، وبغض النظر إذا كان لديهما مصالح شخصية أو "وطنية فإن النتيجة هي استدارة بـ180 درجة".

كما أن هناك من يذهب إلى أبعد من ذلك بترجيح إمكانية دخول غانتس إلى حكومة نتنياهو بعد التوصل إلى تسوية مرضية للطرفين حول قضية الإصلاح القضائي، مستغلا استطلاعات الرأي التي منحته ثقة كبيرة نتيجة موقفه المسؤول وحرصه على الوحدة، لتسويق دخوله لحكومة نتنياهو تحت هذه المظلة.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" المحاضر في العلوم السياسية، د. سليم بريك، حول السيناريوهات الممكنة لتطورات الأزمة السياسية في إسرائيل وجذورها.

"عرب 48": هل من الممكن أن تفضي المحادثات التي ستجري برعاية رئيس الدولة هرتسوغ، إلى تسوية تلم الشرخ الذي وقع في المجتمع الإسرائيلي وتقود إلى مشاركة المعارضة أو أجزاء منها (حزب بيني غانتس) في الحكومة؟

د. سليم بريك

بريك: أعتقد أن إعلان نتنياهو تعليق التشريعات هو نوع من المراوغة وهو لا يضمر نوايا حسنة، وهذا لا يخفى على المعارضة وخصوصا التي خبرت على جلدها سلوك نتنياهو في الماضي، مثل بيني غانتس ولذلك لا أعتقد أنه سيقع في الفخ مرة أخرى.

نتنياهو تحرك تحت ضغوط ثلاثة عوامل، الأول هو تعاظم التظاهرات الجماهيرية واتساع نطاقها، والثاني يتمثل بتصاعد معارضة المؤسسة العسكرية – الأمنية وحسم وزير الأمن غالانت موقفه إلى جانبها بإعلان الاستقالة، التي فاقمت الأمور ودفعت بمزيد من التصعيد، والثالث هو هبوط شعبيته وشعبية الليكود والمعسكر الذي يقوده في استطلاعات الرأي.

ولعل أشد ما أقلق نتنياهو في استطلاعات الرأي هو انتقال أجزاء من الشريحة الليبرالية في اليمين إلى بيني غانتس والازدياد الكبير في شعبية الأخير على حسابه، فكان الإعلان المراوغ بتعليق إجراءات التشريع حتى الدورة الصيفية للكنيست لتمرير الأعياد اليهودية وخلق أجواء ربما تسمح باستقباله في البيت الأبيض لأن موضوع عدم دعوته إلى واشنطن من قبل إدارة بايدن يقلقه كثيرا ويؤثر على مكانة إسرائيل العالمية والإقليمية، وقد رأينا كيف استقبل في برلين ولندن إضافة إلى رفض استقباله من قبل عواصم عربية.

بالمقابل هو يعتقد أنه إذا ما ذهب إلى مفاوضات مع المعارضة حتى لو كانت عقيمة فإنه يستطيع أن يزرع خلافات بين أطرافها، خاصة بين بيني غانتس ويائير لبيد، ويفككها ويضعف حركة الاحتجاج، ثم يواصل إجراء تشريعات "الانقلاب القضائي" بهدوء.

"عرب 48": نتنياهو يراهن على غانتس مرة أخرى، وهناك من يرى سيناريو حكومة مع غانتس بدون سموتريتش وبن غفير أو بدون الأخير على الأقل؟

بريك: لا أعتقد أن غانتس سيقع في الفخ مرة أخرى، وخصوصا أنه كان واضحا لغانتس بعد "إقالة" غالانت أن نتنياهو إنسان غير موثوق نهائيا، كما أن غانتس كان الوحيد الذي قال إنه يجب إعادة غالانت إلى منصبه، إضافة إلى أن خطاب نتنياهو ذاته المليء بالتحريض والكراهية لا يشجعه على ذلك.

"عرب 48": عودة إلى البداية، ما الذي حرك هذه القوى وتلك الحشود الكبيرة التي تملأ الشوارع منذ شهرين تقريبا؟

بريك: الخلاف في المجتمع الإسرائيلي عميق جدا وهناك عدة طبقات وأكثر من شرخ، الأول أن هناك مجموعة تخدم في الجيش وتشتغل وتدفع الضرائب وبالنهاية تجد أنها هي المحكومة والمهاجمة، بالمقابل هناك الحريديين الذي لا يعملون ولا يخدمون في الجيش ويحصلون على مرتبات من الدولة ويعيشون على حساب من يعملون.

المستوطنون أيضا، برغم كل المشاكل التي يسببونها للدولة فإن غالبيتهم لا يخدمون في الجيش، إلا لفترات قصيرة، إذ أن سموتريتش مثلا خدم ثلاثة أو أربعة شهور فقط، وبن غفير لم يخدم في الجيش نهائيا، وفوق كل ذلك هما يقرران ما هو الأمن.

الشرخ الثاني، يتمثل بالقضية الدينية ففي إسرائيل هناك الشريحة الليبرالية التي تتعرض لهجوم من الاتجاهين. الاتجاه الديني الشعبوي، وهناك حركة شعبوية يستند عليها نتنياهو تضم المتدينين والشرقيين، الذين لا يعتنقون المفاهيم الديمقراطية، ومن ناحية ثانية هناك النيولبرالية التي تهدد الليبراليين، وهي شريحة صغيرة تسعى للسيطرة على المجتمع.

هذه الشريحة ليست مع نتنياهو ولكنها هي من زادت حدة الفشل وأظهرت المجتمع الليبرالي كمجتمع فاشل، فالليبراليون أرادوا أن يكونوا كذلك في كل المجالات، المثلية الجنسية وحرية المرأة وغيرها ولكن ليس بما يخص الفلسطينيين والمواطنين العرب.

"عرب 48": هي اثنوقراطية، أم ديمقراطية لليهود فقط؟

بريك: أنا أعتقد أن إسرائيل "سيمي ديمقراطية" بمعنى تقليد للديمقراطية، هم أرادوا أن يبدون تجاه الخارج فقط بأنهم ديمقراطيون، فأنت تعلم أن هناك خلاف شديد مثلا في قضية المساواة ليس بسبب المواطنين العرب فقط، بل أيضا بسبب اليهود المتدينين الذين يعارضون مساواة المرأة، فالأمر شبيه بأن تشتري ثوب من ماركة أصلية بـ200 شيكل وبين أن تشتري ثوب تقليد لهذه الماركة بـ20 شيكل، والسؤال من سيفحص ويدقق ويكشف هذا الزيف.

الأمر الثاني أن الديمقراطية الإسرائيلية مبنية على الدولة البولندية، بولندا بين الحربين العالميتين كان لديها دستورا ديمقراطيا، إلا أنها كانت دولة عنصرية وكانت تلاحق اليهود، ونحن نلاحظ أن قيادات إسرائيل من سنوات الخمسينيات وحتى السبعينيات كانت بولندية الأصل، أو من شرق أوروبا جاءت مع هذه المفاهيم، التي تقول إننا نستطيع أن نظهر بخطاب ديمقراطي ولكن عمليا لن يقوم أحد بفحص ماهية هذا الخطاب.

ونحن نلاحظ كم يتغنى نتنياهو أمام العالم بوجود نواب عرب في الكنيست، يتمتعون بحرية ويهاجموننا، كما يقول، ولكنه لا يقول للعالم إن التمثيل العربي في الكنيست لا أهمية له لأن العرب خارج اللعبة، هنا تحتاج للعمق حتى تميز بين الحقيقي وبين التقليد.

"عرب 48": ولكن نحن على الأقل نعرف أو يجب أن نعرف زيف ديمقراطيتهم التي يضحكون بها على العالم؟

بريك: من جهتنا أصبحنا ندرك ماهية الديمقراطية الليبرالية الإسرائيلية، فأنا أرى نفس المحاضر الذي يعلم معي في الجامعة ويصوت لميرتس ويتحدث عن القيم الديمقراطية الليبرالية كيف يتوقف عن كونه ديمقراطيا عندما يصل الموضوع للفلسطينيين، لأنك لا تستطيع أن تكون ديمقراطيا من ناحية ومحتل من ناحية ثانية.

قضية الاحتلال هي قضية سيكولوجية فأنت لا تستطيع أن تحتل شعبا آخر إلا إذا كنت مقتنعا بدونيته أمامك، فالذي يؤيد الاحتلال لا بد أن يكون لديه شعور بالاستعلاء تجاه الآخر ولا يرى بالفلسطيني إنسانا مثله، وهذا الشعور موجود لدى المركز وموجود لدى غالبية اليسار الإسرائيلي مثل ميرتس والجامعات ومراكز الأبحاث والمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، حيث تعامل جميع هذه المراكز العرب معاملة فوقية، والفرق بينهم وبين اليمين في الأسلوب فقط وليس في الجوهر.

"عرب 48": عودة إلى "الإصلاح القضائي"، إذا ما استثنينا قضية أن نتنياهو يريد أن يفلت من ملفاته القضائية، هناك من يبرر ذلك بكسر الهيمنة الأشكنازية على مؤسسات الدولة؟

بريك: الأشكناز متحكمون بالدولة التي أقاموها وكلنا نعلم أن الحركة الصهيونية غربية المنشأ ولم تكن معنية بالشرقيين أصلا، كما أن هناك كراهية عميقة للشرقيين، وعلى سبيل المثال عندما أقرأ لطلاب من أصول يمنية أو مغربية يتعلمون عندي وثائق يتوجه فيها ممثل الحركة الصهيونية لليمنيين قائلا، اننا مستعدون لجلبكم اذا كنتم في جيل 18- 35 عاما لكي تشتغلوا بالزراعة يتفاجأون ، كما انه من المعروف ان بن غوريون كان من أكبر العنصريين تجاه الشرقيين وكان يقول وزير الشرطة في حكومته، باخور شطريت، آنذاك، أنت عربي يهودي بقصد إهانته.

"عرب 48": ليس من قبيل الصدفة أن الأشكناز سيطروا على مؤسسات الدولة وعلى البنوك والاقتصاد ولاحقا على الهايتك، ورغم أن الشرقيين والحريديين تحولوا إلى أغلبية ووصلوا إلى الحكم لم يستطيعوا اختراق هذه المؤسسات، ولذلك يريدون هذا "الإصلاح" الذي يعتبره الطرف الآخر "انقلابا"؟

بريك: إذا أردنا أن نحلل المعسكر الذي يقف وراء هذا الإجراء نجد ثلاث قوى هم: الحريديون الذين لم يؤيدوا الحركة الصهيونية من البداية واعتبروها تهديدا للدين اليهودي وانضموا إليها فقط كتسليم للأمر الواقع، هؤلاء غاضبون على المحكمة العليا بما تمثله من قيم ليبرالية تؤيد المثلية الجنسية ومساواة المرأة وسؤال فصل الدين عن الدولة.

القوة الثانية تتمثل بالمستوطنين، اتباع الصهيونية الدينية، وهؤلاء يخططون منذ عام 1967 للسيطرة على دولة إسرائيل ويعملون بتفكير عميق وتخطيط وبعد نظر، حيث دخلوا في مؤسسات الدولة بشكل تدريجي فأصبحوا اليوم يشكلون 40% من قادة الجيش وحتى قائد الجيش الجديد، هرتسي هليفي، ينتمي اليهم، إضافة إلى غالبية قيادات "الشاباك"، كما يتمتعون بقوة كبيرة في الشرطة.

بالنسبة لهؤلاء لا يمكن إدامة الاحتلال في الضفة الغربية وغزة وشرقي القدس مع دولة ديمقراطية ولذلك يجب إلغاء الديمقراطية قبل وقوع هذا التصادم والكثير منهم يتحدثون علنا أن لا ضرورة لتكون إسرائيل ديمقراطية.

القوة الثالثة، هي التي يمثلها ياريف ليفين وتتألف من المحافظين الجدد الذين يعتقدون أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية وليست بالضرورة حكم الشعب، ولذلك هناك شرائح من الشعب ليس بالضرورة أن تكون بالحكم، وهي نظرية أيضا فيها فوقية أشكنازية علما أن بعض أعضاء الكنيست الشرقيين يؤيدونه دون وعي منهم لأبعاد نظريته.

"عرب 48": قلت في مقال لك نشر سابقا إن المشكلة ببن غوريون وليست بليفين، فالأول هو الذي لم يكن معنيا بتثبيت القيم الليبرالية الديمقراطية في دستور للدولة؟

بريك: صحيح، فقرار التقسيم 181 الذي أقيمت على أساسه دولة إسرائيل ينص على إقامة دولتين ديمقراطيتين مع دستور يضمن المساواة التامة في كل منهما، وإسرائيل أخذت على عاتقها تنفيذ هذا البند، حتى أنها أخذت جزءا من النص الذي يقول إن "دولة إسرائيل تقيم مساواة سياسية تامة..." وضمنته في وثيقة الاستقلال.

وبعد إقامة الدولة كان يفترض أن يتم تنفيذ خطوتين الأولى إقرار دستور ديمقراطي حتى 1 تشرين الأول/ أكتوبر 1948 والخطوة الثانية هي التصويت على إسرائيل في الأمم المتحدة في آذار/ مارس 1949، وبن غوريون قال نعم سنقر دستورا ونقيم انتخابات في شهر كانون ثاني/ يناير عام 49، ولكن ما حصل أنهم قلبوا الانتخابات الدستورية إلى انتخابات كنيست وبعد أن صوتوا على إسرائيل في الأمم المتحدة تراجعوا عن بناء دستور وقالوا نكتفي بسن قوانين أساس، وبذلك قاموا بخداع العالم، وهم يعترفون بذلك.

"عرب 48": ولماذا لم يرد بن غوريون دستور لدولة إسرائيل؟

بريك: هناك جملة من الأسباب أولها أن الدستور يجب أن يعرف من هو الشعب وهنا يوجد إشكالية، إذا قالوا اليهود فقط ستعتبر دولة عنصرية وإذا أدخلوا العرب إلى التعريف سيضطرون لمنحهم حقوقا متساوية، وهم كانوا يخططون لتقليص عدد العرب ولهذا السبب ارتكبت مذبحة كفر قاسم.

السبب الثاني، يتعلق بحق الملكية حيث يجب أن يضمن الدستور حق الملكية، ولكن بن غوريون كان يريد أن يصادر أراضي العرب في القرى الزراعية وبيوتهم في المدن المختلطة، ولهذا السبب لا يريد أن يحمي حق الملكية.

السبب الثالث، قضية الحدود فهم لا يريدون تحديد حدود الدولة كي تكون قابلة للتمدد والتوسع مستقبلا، وهذا ما حدث في حرب 1967، وحتى اليوم ما زالت إسرائيل دون حدود معترف بها.

وفي قضية المساواة حتى عام 1992 لم يفكروا بتمرير قانون حقوق الإنسان، وعندما قرروا ذلك عام 1992 لم يستطيعوا تمريره بكليته فقاموا بتفكيكه وتجزئته ومرروا "قانون حرية الإنسان وكرامته" وقانون "حرية العمل" فقط ثم توقفوا.

هذا ناهيك عن أن طرد غالبية شعب هذه البلاد في الـ48 من شأنه أن ينسف شرعية الدستور الذي يفترض أن يقوم على الشعب.

التعليقات